الخميس، 24 سبتمبر 2009

الوسطية خيار العقلاء...حكومة وسطية بعد الانتخابات تُنقذ البلاد



كتب وسيم فؤاد الأدهمي


مع اقتراب موعد الانتخابات تشهد الساحة اللبنانية حالة من الترقب والحذر. فلا صوت يعلو صوت الانتخابات النيابية في لبنان. حيث تستمر بعض القيادات بتجييش أنصارها من خلال توجيه التهجمات والاتهامات الى خصومها من أجل الفوز بأكثرية المقاعد النيابية والوصول الى السلطة وتطبيق برنامجها السياسي.
وكل من الفريقيين السياسيين الرئيسيين يقول أن النتائج ستكون لمصلحته، والتشويق مستمر حتى لحظة اعلان النتائج النهائية.

يدافع كل فريق بقوة عن أهدافه وطروحاته، في محاولة لاستمالة الرأي العام اللبناني الى جانبه والتصويت له في الانتخابات. وتشير استطلاعات الرأي التي تجريها بعض المؤسسات المختصة المحايدة الى تقارب عدد المؤيدين لكل منهما، مع أرجحية بسيطة لقوى الأكثرية. فغالبية السنّة تنضوي تحت لواء «تيار المستقبل» الذي يشكل العمود الفقري لقوى 14 آذار، وغالبية الشيعة تنتمي الى قوى 8 آذار، وتتساوى الطائفتان في العدد وتشكلان أكثر من ثلثي سكان لبنان. وتجمع السنّة والشيعة قواسم مشتركة منها: الدفاع عن القضية الفلسطينية، ورفض توطين الفلسطينيين في لبنان، والكراهية للولايات المتحدة لدعمها غير المحدود لإسرائيل وتغطية اعتداءاتها على العرب وتفتيت العراق، والتعاطف مع القضايا العربية والإسلامية. ويعتبر خلافهما الحالي موقتاً يزول بانتهاء الخلافات العربية - العربية والإقليمية - الدولية.

أما المسيحيون الذين كانوا يتمتعون بثقل سياسي كبير في لبنان ويشكلون الضمانة الرئيسة لاستقلاله، فقد بدأ نفوذهم في الانحسار نتيجة تبدّل الوضعين السياسي والديموغرافي في لبنان وتصارع قياداتهم على السلطة والتحاقها بالقيادات الإسلامية. الأمر الذي أدى الى نشوء تيار وسطي في الساحة المسيحية يسعى الى تشكيل كتلة نيابية مستقلة أو وسطية، تعيد الوزن المسيحي في القرار الوطني وتدعم رئيس الجمهورية من اجل تعزيز موقع الرئاسة الأولى ودورها الوطني. ويراهن هذا التيار على انضمام بعض النواب المسلمين الى هذه الكتلة بعد الانتخابات النيابية، حتى تصبح القوة الوازنة في المجلس النيابي والحكومة، ما يؤدي الى تهدئة الأوضاع وإزالة التشنج من الشارع وعودة الحياة السياسية الطبيعية الى المؤسسات الشرعية.
لن تكون نتائج الانتخابات النيابية على ما يبدوحاسمة لأي من الفريقين الرئيسين المتصارعين، بحيث يستطيع الفائز تأليف الحكومة المقبلة وتنفيذ برنامجه السياسي من دون عقبات، فالخلاف السياسي بين «تيار المستقبل» و «حزب الله»، كبير ، ولم يستطيعا حتى اليوم إيجاد قواسم مشتركة بينهما، خصوصاً في ما يتعلق بالاستراتيجية الدفاعية للبنان ودوره في محيطه. وأدى خلافهما السياسي في السنوات الماضية وظهوره الى العلن عبر الإعلام الى تشنج في الشارع. وسيكون الفشل مصير كل حكومة ائتلافية لا يتفق هذان الفريقان على برنامج عملها، وانتقال الخلاف السياسي بينهما الى صراع في الشارع، كما ان حكومة لا يتمثل فيها «تيار المستقبل» أو تحالف «حزب الله» وحركة «أمل» تبقي الأوضاع المتأزمة على حالها، لفقدانها التمثيل الحقيقي لإحدى الطوائف الكبرى التي تشكل أكثر من ثلث الشعب اللبناني، خصوصاً مع تغليف الخلاف السياسي بغلاف مذهبي. ولا يوجد أي أمل من توصل الفريقين الرئيسين، في الوقت الراهن، الى اتفاق حول القضايا الوطنية الخلافية. والدليل فشل طاولة الحوار الوطني التي تعقد اجتماعاتها منذ شهور في ايجاد صيغة مقبولة للاستراتيجية الدفاعية، وسخونة الأوضاع الإقليمية حيث يعمل كل طرف إقليمي على تحضير ملفاته وترتيب أوراقه استعداداً لمفاوضاته المرتقبة مع الإدارة الأميركية الجديدة.

وتعتبر المصالحة العربية - العربية خصوصاً بين المملكة العربية السعودية وسوريا، خطوة ايجابية في عودة التماسك الى الجسم العربي المتصدع واستمرار التهدئة السياسية والأمنية في لبنان. كما ان عدم توقع صدور القرار الاتهامي في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والشهداء الذين سقطوا معه وبعده في المدى المنظور، وتأخير بدء محاكمة المتورطين في هذه الجرائم الى نهاية هذه السنة بذريعة تجهيز المحكمة الخاصة بلبنان، يساعدان في تهدئة لبنان لاجتياز الانتخابات النيابية وموسم السياحة في الصيف بهدوء نسبي وسلام.

وفي حال بقي التجاذب الإقليمي - الدولي قائماً حول القضايا الخلافية، واستمر الخلاف بين فريقي الأكثرية والأقلية حول البرنامج السياسي للمرحلة المقبلة، فإنه يكون من الأنسب عندئذ تأليف حكومة وسطية مستقلة تنقذ البلاد من الركود والمراوحة وشلل المؤسسات... برئاسة شخصية سياسية سنية معتدلة تحظى باحترام الفريقين مثل الرئيس نجيب ميقاتي، الذي كانت له تجربة ناجحة في رئاسة الحكومة التي تلت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تتولى بالتعاون مع رئيس الجمهورية الذي يتمتع بالصدقية والوطنية والاحترام ترسيخ الهدوء في الساحة الداخلية، وتعزيز العيش المشترك والوحدة الوطنية، والاهتمام بالأوضاع الاقتصادية والمالية والإنمائية والأمنية والمعيشية، وتنقية العلاقات مع سوريا، والانفتاح على الدول العربية والأجنبية الصديقة.

قوة فخامة رئيس الجمهورية ميشال سليمان انه توافقي وحريص على رعاية الوفاق في الداخل واعادة حضور لبنان في الخارج بدءاً باحياء العلاقات اللبنانية السورية. وليس بمقدور سواه الامساك بزمام المصالحة والاصلاح، فهو مطبوع على الجمع بين المختلفين، ومجرب في ادارة الخلافات الصعبة من ضمن منطق الشرعية الدستورية وعلى قاعدة العمل بمقتضيات الديمقراطية التوافقية والمصلحة والوطنية.




وقوة دولة الرئيس نجيب ميقاتي بوسطيته وحكمته واعتداله، وقدرته على أن يكون على مسافة واحدة من جميع الأطراف، وتضيق دائرة الخلافات بين المتخاصمين، في زمن تمتد فيه مخالب الطوائف والمذاهب الى كل مفاصل الوطن والدولة، ويتطلب مكافحة الفساد الكثير من الشجاعة والروية لانقاذ لبنان من براثن الطائفية التي تفتك بالجميع دون هوادة.


يبقى أن نقول أن الوسطية خيار العقلاء...والوسطية التي يتزعمها دولة الرئيس نجيب ميقاتي تحملها قاعدة شعبية عريضة ، اضافة الى سياسيين ومثقفيين لم يعودوا يجدون أنفسهم في التكتلين السابقين، لاعتراضهم على جوانب عديدة من التوجه السياسي والممارسة الميدانية لكليهما.




0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية

html code
Metal Safety Gates